وأخيراً نضيف أنّ الحياة الاجتماعية في الوقت الحاضر متوقّفة على بيع السلم والسلف ، فالكثير من أصحاب الصنائع وغيرهم يحتاجون إلى أدوات وأجهزة غير موجودة في الخارج وإنّما يهيّئونها حسب ما يطلبونها منهم ، ومن المعلوم أنّ الإسلام دين الفطرة فكيف ينهى عنه أوّلاً ثمّ يرخصه؟
نعم ربّما كان بيع السلف عندهم أوسع ممّا سنّه الشارع ، ولذلك يقول ابن عباس : قدم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين ، فقال : «من أسلف في تمر فليُسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم». (١) ولو تصرّف فيه الشارع فإنّما حدّده بشرائط خاصّة.
هذا كلّه حول الأمر الأوّل وقد عرفت أنّ تجويز السلم لم يكن استثناءً من المنهي عنه.
حول بيع العرايا
وأمّا الثاني : أعني «بيع العرايا الّذي هو عبارة عن بيع الرطب على النخل بالتمر الجافّ ، وهذا لا يمكن فيه التحقّق من تساوي البدلين» فهو ليس استثناءً من الضابطة ، أعني : شرطية تساوي المتجانسين كيلاً ووزناً عند مبادلتهما وذلك بالبيان التالي :
إنّ أبا سعيد الخدري قد روى عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلّا مثلاً بمثل ولا تشفُّوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلّا مثلاً بمثل ، ولا تُشفّوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز». (٢)
__________________
(١). بلوغ المرام : ١٧٤ برقم ٨٧٤.
(٢). بلوغ المرام : ١٧٠ برقم ٨٥٢.