فإذا قام الدليل على أنّ الأمارة حجّة ، فهذا التنزيل فعل الحكيم لا بدّ من وجود الأثر له ، ولا يترتّب عليه الأثر إلّا بتنزيل الجزء الأوّل وهو أنّ مؤدى الأمارة هو مؤدى الواقع ، فصار الجزء الأوّل أيضاً محرزاً ، فتنزيل الأمارة منزلة الحجة الشرعية يدلّ بدلالة الاقتضائية على أنّ مؤدى الأمارة نازل منزلة الواقع. وهذا هو المفهوم من عبارته في الكفاية في المقام حيث قال :
اللهم إلّا أن يقال أنّ الدليل على تنزيل المؤدّى منزلة الواقع الذي صار مؤدّى لها ، هو دليل الحجّية بدلالة الاقتضاء.
وبالجملة إفاضة الحجّية على الأمارة فعل الحكيم وهو بما هو هو لا يترتّب عليه الأثر إلّا أن يصان عن اللغويّة بدلالة الاقتضاء بتنزيل آخر وهو جعل مؤدّى الأمارة منزلة الواقع ، فإذا قامت الأمارة على حكم فكأنّ الأمارة قامت على حكم واقعي إنشائي ، فيتبدّل إلى الفعلية لتمام الموضوع.
ولكن الظاهر من قوله : «لكنّه لا يكاد يتم إلّا إذا لم يكن للأحكام بمرتبتها الإنشائية أثر أصلاً ، وإلّا لم يكن لتلك الدلالة مجال كما لا يخفى» ، انّ مراده أمر آخر وهو انّ جعل الحجّية على الأحكام الإنشائية لا بدّ أن يحمل على بيان كون الأحكام الإنشائية تكون فعلية إذا قامت الأمارة عليها وإلّا ـ إذ لم يلازم قيام الأمارة فعلية الأحكام الواقعية ـ يكون جعل الحجّية على الأمارة أمراً لغواً ، ويصون كلام الحكيم عن اللغو ، يستدلّ بإفاضة الحجية عليها ، على صيرورة الأحكام الإنشائية فعلية.
وعلى هذا التقرير يصحّ ما ذكره أخيراً ـ لا على التقرير المتقدّم ـ «من أنّه لا يكاد يتمّ إلّا إذا لم يكن للأحكام بمرتبتها الإنشائية أثر أصلاً ، وإلّا لم يكن لتلك الدلالة مجال كما لا يخفى» ، فلا يستكشف من جعل الحجّية للأمارة ، صيرورة