العقل ، فهكذا المورد فلو حكم بأنّ العقاب بلا بيان قبيح ، فليس معناه : أنّه يحكم على الله سبحانه بأن لا يُعذّب الجاهلَ غير المقصّر ، بل المراد : أنّ العقل من خلال التدبّر في صفاته سبحانه ـ أعني : العدل والحكمة ـ يستكشف أنّ لازم ذينك الوصفين الثابتين لله سبحانه ، هو عدم عقاب الجاهل.
وكنّا نسمع من روّاد منهج التفكيك بين العقل والشرع أنّ روّاد الفلسفة يحتّمون على الله أن يحكم بالوجوب واللزوم و... وأنّ عمل الفيلسوف هو الحكم على الله ، غافلين عن أنّ عمله هو الاستكشاف ، فلو قال : «واجب الوجود بالذات واجب من جميع الجهات» إنّما يخبر عن تلك الحقيقة بالبرهان الّذي أرشده إليها ، فيستنتج من ذلك أنّه سبحانه واجب في علمه وقدرته كما أنّه واجب في فعله وخلقه.
وليس الإشكال أمراً جديداً فقد سبقهم الرازي وقال : لا يجب على الله تعالى شيء عندنا ـ خلافاً للمعتزلة ـ فانّهم يوجبون اللطف والعوض والثواب. والبغداديّون خاصّة يوجبون العقاب ، ويوجبون الأصلح في الدنيا.
بين الإيجاب المولوي والإيجاب الاستكشافي
لا شكّ أنّه ليس لأحد أن يكلّف الله سبحانه بشيء ويحكم عليه باللزوم والوجوب ، لأنّه سبحانه فوق كلّ مكلّف ، ولا فوقه أحد ، ومع ذلك كلّه فربما يأتي في كلام المتكلّمين بأنّه يجب على الله سبحانه أن لا يعذّب البريء. غير أنّ أهل الحديث واتباع السلفية لم يفرّقوا بين الإيجاب المولوي والإيجاب الاستكشافي ، فالذي هو باطل لا يتفوّه به أيّ إنسان موحّد ، هو الإيجاب المولوي ، فإنّه سبحانه مولى الجميع والناس عباد له ، وأمّا الإيجاب الاستكشافي بمعنى أنّ العقل