يستكشف من خلال صفاته سبحانه ككونه حكيماً عادلاً قادراً ، أنّه سبحانه لا يعذّب البريء ، فالقول بأنّه يجب على الله سبحانه بمعنى الملازمة بين حكمته وعدله وعدم تعذيب البريء ، وليس استكشاف العقل في المقام بأقلّ من استكشاف الأحكام الكونية حيث يحكم بأنّ زوايا المثلث تساوي زاويتين قائمتين ، فزوايا المثلث في الخارج موصوفة بهذا المقدار والكميّة ، ولكن العقل يستكشف ذلك.
وبذلك يظهر أنّ ما أطنب به أتباع السلفية حول الأحكام العقلية إطناب بلا طائل ، وتفسير بما لا يرضى به صاحبه ، فقالوا :
أوجب العدلية على الله تعالى أشياء بمحض عقولهم ، وإن لم ترد بها الشريعة.
بل أوجبوا على الله أشياء مخالفة للصحيح الصريح من نصوص الكتاب والسنّة ، ولا شكّ أنّ هذا الإيجاب العقلي من المعتزلي على الله باطل ، لأنّه يلزم عليه أن يكون هناك موجب فوق الله أوجب عليه شيئاً ، ولا موجب عليه سبحانه وتعالى ، كما يلزم عليه أن لا يكون تعالى فاعلاً مختاراً ، وهو باطل. (١)
وقد أجاب عنه المحقّق نصير الدين الطوسي وقال : ليس هذا الوجوب بمعنى الحكم الشرعي كما هو المصطلح عند الفقهاء ، بل هذا الوجوب بمعنى كون الفعل بحيث يستحقّ تاركه الذمّ ، كما أنّ القبيح بمعنى كون الفعل بحيث يستحقّ فاعله الذمّ. والكلام فيه هو الكلام في الحسن والقبح بعينه ويقولون إنّ القادر العالم الغني لا يترك الواجب ضرورة. (٢)
__________________
(١). مدارج السالكين : ١ / ٦٦.
(٢). نقد المحصل : ٣٤٢.