إنّما الكلام إذا تمت دلالة الكلام واستقر ظهوره في معنى معيّن على نحو يُعد خلافه مرجوحاً أو غير ملتفت إليه ، فهل توصف دلالته حينئذ ظنيّة؟
وبذلك تعرف الفرق بين الظاهر والنصّ ، فقد عرّفا بوجوه مختلفة ، ولكن أوجز التعاريف للنص والظاهر هي ما يلي :
النص : ما لا يحتمل إلّا معنىً واحداً.
الظاهر : ما يحتمل معنيين : أحدهما راجح ملتفت إليه ، والثاني مرجوح لا يلتفت إليه العرف.
وإن شئت قلت : إنّ النصّ ما لا يمكن صرفه إلّا إلى معنى واحد ولو صرفه إلى معنى آخر لعُدّ المتكلّم متناقضاً ، وهذا بخلاف الظاهر ، فإنّ صرفه إلى غير المعنى الظاهر أمر مرجوح ولكن لا يُعدّ تناقضاً ، فالأوّل كقوله سبحانه : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فإنّ لفظة «أحد» نصّ في التوحيد والقول بالتثليث يناقضه ، أو قوله سبحانه : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً)(١) فإنّ الألف وكذا لفظ الخمسين وهكذا سائر ألفاظ الآية لا تحتمل إلّا معنى واحداً.
وأمّا الثاني فكقوله : أكرم العلماء فإنّه ظاهر في عامة العلماء ، ولكن لو قال : بأنّ مقصودي منهم هو قسم العدول ، فهذا يُعدّ خلافاً للظاهر ولا يعدّ الرجل مناقضاً إذا كان بصدد التشريع والتقنين ، فإنّ المخصص في البيئات التقنينية يأتي متأخراً غالباً لا مقارناً.
ولذلك لا يقبل من الإنسان ـ الذي ليس له شأن التقنين ـ إلقاء العام وإرادة الخاص إذا لم يذكر المخصّص في جنب العام.
__________________
(١). العنكبوت : ١٤.