الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ)(١) فالإنسان بكلامه يبين مراده بالنص والظاهر معاً فالقدح في دلالة الظواهر على المعاني كأنّه قدح في أبرز صفات الإنسان التي أشار إليها الله سبحانه في الآية المتقدّمة.
نعم دفع الأُصوليون الاحتمالات التي ذكرها الرازي والإيجي والجرجاني ومن تقدّم عليهم أو تأخر عنهم بأُصول عقلائية اختراعية ، كدفع احتمال المجاز بأصالة الحقيقة ، ودفع احتمال النقل والإضمار بأصالة عدمهما ، إلى غير ذلك من الأُصول اللفظية التي دفعوا بها تلك الاحتمالات الطارئة على الذهن.
ولكنّك خبير بأنّ المفاهمة تتحقّق بين الناس مع الغفلة عن هذه الأُصول ، لأنّ هذه الشكوك لا تظهر في الأذهان حتّى تعالج بهذه الأُصول ، والمخاطب يتلقّى دلالة الظواهر دلالة قطعية دون أن يحتمل إرادة المجاز أو وجود الإضمار والنقل حتّى يعالج تلك الشكوك بتلك الأُصول اللفظية.
الثاني : هداية الأنبياء على أساس القطع
لا شكّ أنّه سبحانه بعث أنبيائه لهداية الناس كما أمر أولياءه وعلماء الأُمّة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكلّ ذلك يتحقّق بمخاطبة الناس بما لديهم من النصوص والظواهر ، فلو كانت دلالة الظواهر على المقاصد دلالة ظنيّة لعرقلت خُطى الهداية والإرشاد ، وأصبح عندئذ تعليم الناس وإرشادهم كأُمنية غير محقّقة. يقول سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ). (٢)
__________________
(١). الرحمن : ١ ـ ٤.
(٢). إبراهيم : ٤.