ثانياً : إنّك قد عرفت أنّ الوظيفة الملقاة على عاتق الظواهر هي احضار المعاني المرادة استعمالاً في ذهن المخاطب وليس لها دور في مجال المفاهمة إلّا ذلك ، وأمّا هذه الاحتمالات ودفعها وعلاجها فليس على عاتق الظواهر حتّى توسم لأجل وجودها بوسم الظنيّة ولذلك قلنا إنّ النصوص والظواهر أمام هذه الاحتمالات سواسية.
فمؤاخذة الظواهر بوسم الظنية أشبه بقول القائل :
غيري جنى وأنا المعاقب فيكم |
|
فكأنّني سبابة المتندّم |
وأمّا الاحتمالان الأخيران أعني احتمال استعمال العام وإرادة الخاص أو المطلق وإرادة المقيّد فهما وإن كانا من خصائص الظواهر ولا يوجدان في النصوص لكنّهما لا يضران بقطعية الدلالة لما عرفت من أنّ المراد هو دلالتها على ما هو المراد استعمالاً لا ما هو المراد جدّاً بل تعيين المراد الجدّي ـ عند طروء الشكّ والريب ـ على عاتق أُصول عقلائية ، تدور عليها رحى الحياة ، وهي أنّ مقتضى كون المتكلّم حكيماً التحرز عما يُعدّ لغواً أو هزلاً. نعم في الموارد التي يحتمل فيها التقية أو التخصيص والتقييد فكشف الظواهر عن المراد الجدّي فرع إحراز كون المتكلّم بصدد بيان المراد الواقعي أو عدم العثور على المخصص والمقيّد في مظانها.
فتلخص من هذا البحث الضافي أُمور :
الأوّل : إنّ البحث في المقام كبروي وليس صغروياً بمعنى أنّ الكلام ـ بعد ثبوت ظهور للكلام ـ في أنّ دلالته على المعاني المرادة قطعية أو ظنية.
الثاني : ما جاء به الرازي من التشكيكات ـ على فرض صحتها ـ يرجع إلى