٣. قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(١) حيث جعل الملازمة بين المجاهدة والهداية التي هي المعرفة ، فلو لم يكن الطرفان ممكنين لم تصح الملازمة فعدم هداية الجاهل القاصر لعدم جهاده.
يلاحظ عليه : أنّ الآية بصدد بيان الملازمة بين المتمكن من الجهاد ، والهداية ، والملازمة بينهما مسلمة ، وأمّا غير المتمكن كالقاصر فهو خارج عن الآية كخروج المجانين والأطفال الذين يتوفون في صباهم.
وقد أجاب المحقّق الخراساني عن الاستدلال بأنّ المراد من الجهاد هو جهاد النفس لا الجهاد في طريق معرفة الحق. (٢)
أقول : إنّ هنا احتمالات :
أ. أن يكون المراد من الجهاد جهاد العدو.
ب. أن يكون المراد منه جهاد النفس.
ج. أن يكون المراد منه هو الجهاد في طريق معرفة الرب.
والأوّل غير صحيح ، لأنّ السورة مكية ولم يكن جهاد العدو مشروعاً في العهد المكّي ، فكيف يمكن أن تكون الآية ناظرة إليه.
أمّا الثاني : فلأنّ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) يقابل قوله في الآية المتقدّمة : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ) ومقتضى التقابل أنّ البحث يدور حول الكافر والمؤمن ، لا العارف وغير العارف ، فتعيّن المعنى الثالث.
٤. قوله سبحانه : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
__________________
(١). العنكبوت : ٦٩.
(٢). الكفاية : ٢ / ١٧٥.