فإنّ المحدّثين والسلفيّين ما زالوا يعملون في تنظيم العقائد بخبر الواحد ، وبذلك حشّوا صحاحهم وسننهم بأخبار الآحاد.
وعلى ذلك علينا أن نركّز على نصوص هذا القسم ، وإلّا فالعامل بمطلق الظن في مجال العقائد غير متحقّق في الخارج.
وهذا ما دعانا إلى بسط الكلام في ذلك المجال فنقول :
المطلوب من العقيدة هو الإذعان القلبي ، كما أنّ المطلوب من الشريعة هو العمل ، فكأنَّ الشريعة ثمرةُ العقيدة ، وكل إنسان ينطلق في سلوكه من عقيدته وإيمانه.
والّذي يجب إلفات النظر إليه هو أنّ السلوك العملي وتطبيق الحياة على الحكم الشرعي ليس رهن الإذعان بصحة الحكم الشرعي ، بل ربّما يعمل به الإنسان أو يتركه مع الشك والترديد في صحة حكم ما ، بشهادة أنّ جميع الأحكام الفرعية ليست من القطعيات ، بل هي بين مقطوع ومظنون بها ، كما أنّ له تلك الحالة مع الظن بصحة الحكم دون اليقين بها ، فالعمل والتطبيق في متناول الإنسان في أيّ وقت شاء ، سواء أشك في صحة الحكم أو ظنّ بها أو قطع.
وأمّا العقيدة بمعنى عقد القلب على شيء وأنّه الحق تماماً دون غيره فتختلف عن الأحكام الفرعية ، فهي رهن أُسس ومبادئ تقود الإنسان إلى الإذعان على نحو لولاها لما حصلت له تلك الحالة وإن شاء وأصرّ على حصول اليقين.
فالعمل بالأحكام من مقولة الفعل وهو واقع تحت إرادة الإنسان ، فربّما يعمل بما لا يجزم بصحته كما يعمل مع الجزم بها ، ومثال ذلك أنّ أئمة المذاهب الفقهية مختلفون في الآراء والمصيب منهم واحد ، ومع ذلك فأتباع كل إمام يعملون بفقهه مع علمهم بخطئه إجمالاً في بعض الآراء لعدم عصمته.