ـ إلى أن قال : ـ فمن أفاده الدليل العلم القاطع وجب عليه الأخذ به وتيقن دلالته ، ومن أفاده الظن الغالب لم يجز له أن يترك هذا الظن الغالب لعجزه عن تمام اليقين. (١)
إلى غير ذلك من الكلمات الّتي يشبه بعضها بعضاً ، ويدعو الكل إلى لزوم بناء العقيدة على العلم واليقين إنْ تيسّر ، وإلا فعلى الظن ، ولا يجوز ترك الظن الغالب ، لعجزه عن اليقين.
أقول : إنّ هؤلاء ـ نوّر الله بصيرتهم ـ لم يفرّقوا بين الأحكام العملية والأُصول العقائدية ، وقاسوا الثانية بالأُولى ، مع أنّه قياس مع الفارق ، فالمطلوب في الأحكام هو العمل وهو يجتمع مع العلم والظن ، ولكن المطلوب في الثانية هو عقد القلب والجزم ورفض الطرف المخالف ، وهو لا يتولّد من الظن ، فإنّ الظن لا يُذهب الشك ، بخلاف اليقين فأنّه يطردهما معاً.
وتكليف الظان بموضوع ، بالإذعان به وعقد القلب عليه تكليف بما لا يطاق ، كتكليف الظان بطلوع الفجر ، بالإذعان به.
ولو كان العمل بالظن في العقائد أمراً مطلوباً لما ندّد به القرآن الكريم في غير واحد من الآيات. قال سبحانه : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)(٢) ، وقال : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٣) ، إلى غير ذلك من الآيات.
__________________
(١). موقف المتكلّمين : ١ / ١٩٨.
(٢). الأنعام : ١١٦.
(٣). يونس : ٣٦.