وسائر العوارض والحوادث ، وقد صار هذا الحديث سبباً لذهاب الحشوية إلى التجسيم والسلفية إلى التشبيه ، وإن كنت في شكّ فاستمع لكلام من أحيا تلك الطريقة بعد اندثارها وانطماسها ، يقول الرّحالة ابن بطوطة في رحلته :
وكان بدمشق من كبار فقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيمية كبير الشام يتكلّم في فنون ، إلا أنّ في عقله شيئاً ، وكان أهل دمشق يعظّمونه أشدّ التعظيم ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم مرّة بأمر أنكره الفقهاء. ورفعوه إلى الملك الناصر فأمر بإشخاصه إلى القاهرة ، وجمع القضاة والفقهاء بمجلس الملك الناصر ، وتكلم شرف الدين الزواوي المالكي ، وقال : «إنّ هذا الرجل قال كذا وكذا» وعدّد ما أُنكر على ابن تيمية ، وأحضر الشهود بذلك ووضعها بين يدي قاضي القضاة.
قال قاضي القضاة لابن تيمية : ما تقول؟ قال : لا إله إلا الله ، فأعاد عليه فأجاب عليه بمثل قوله : فأمر الملك الناصر بسجنه ، فسجن أعواماً ، وصنّف في السجن كتاباً في تفسير القرآن سمّاه ب ـ «البحر المحيط».
ثمّ إنّ أُمّه تعرضت للملك الناصر ، وشكت إليه فأمر بإطلاقه إلى أن وقع منه مثل ذلك ثانية ، وكنتُ إذ ذاك بدمشق ، فحضرتُه يوم الجمعة ، وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم ، فكان من جملة كلامه أن قال : إنّ الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من درج المنبر ، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به ، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً. (١)
__________________
(١). ابن بطوطة : الرحلة : ١١٢ ، طبع دار الكتب العلمية.