قال أبو زهرة في تبيين ذلك الاتّجاه : الاتّجاه الثاني هو الاتّجاه المتأثر بالفروع ، وقد اتّجه فيه الباحثون إلى قواعد الأُصول ليقيسوا بها فروع مذهبهم ويثبتوا سلامتها بهذه المقاييس. وبذلك يصحّحون بها استنباطها ويتزودون بها في مقام الجدل والمناظرة ، فكانت دراسة الأُصول على ذلك النحو صورة لينابيع الفروع المذهبية وحججها ، ولقد قال بعض العلماء : إنّ الحنفية أوّل من سلكوا هذه الطريقة ولم تكن لهم أُصول فقهية نشأت في عهد الاستنباط. (١)
نظرة إلى طريقة الفقهاء
إذا كانت الغاية من تدوين علم الأُصول هي التعرّف على قواعد تسهّل الاستنباط ، وتأخذ بيد المجتهد إلى استنباط الحكم الشرعي ؛ فيجب أن تكون القواعد الأُصولية حاكمة على الفروع ودعامة للفقه ، وطريقة للاستنباط ، وهذا لا ينطبق إلّا على طريقة المتكلّمين.
وأمّا إذا كانت الغاية هي تصحيح الفروع التي أفتى بها الإمام ومخرِّجو مذهبه ، فتكون حينئذ قليلة الجدوى ، لأنّه يصبح دفاعاً عن مذهب معيّن ، فلو وافقها أخذ به وإن خالفها رفضها.
والحاصل أنّ علم الأُصول هو العلم الذي يُعدّ منهاجاً للاستنباط وطريقاً إليه ، وأمّا إذا كانت الغاية منه تأييد المذهب والدفاع عنه ، فيصبح علم الأُصول أداة طيّعة لفتوى الإمام ولا يكون منهاجاً للاجتهاد.
ولأجل هاتين الرؤيتين المختلفتين نرى اختلافاً واضحاً بين الأُصوليّين لأتباع أئمّة المذاهب.
__________________
(١). نفس المصدر : ١٨.