شرع ، فإنّ كلّ عاقل يجزم بحسن الإحسان ويمدح عليه ، ويُقبِّح الإساءة والظلم ويذمّ عليه ، وهذا حكم ضروري لا يقبل الشكّ وليس مستفاداً من الشرع لحكم البراهمة والملاحدة به من غير اعتراف منهم بالشرائع». (١)
ويقول أيضاً في كتاب آخر : إنّ من الأفعال ما هو معلوم الحُسن والقبح بضرورة العقل ، كعلمنا بحسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضار ، فكلّ عاقل لا يشكّ في ذلك ، وليس جزمه بهذا الحكم بأدون من الجزم بافتقار الممكن إلى السبب ، وأنّ الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية. (٢)
ومن حسن الحظ انّ الذكر الحكيم يشير إلى موقف العقل من إدراك تحسين الأشياء وتقبيحها ، فترى أنّه يحتج في موارد بقضاء فطرة الإنسان بحسن بعض الأفعال ، وفي الوقت نفسه يقبّح بعضها على وجه يسلِّم بأنّ الفطرة الإنسانية صالحة لهذين الإدراكين ، ولذلك يتخذ وجدان الإنسان قاضياً صادقاً في قضائه ويقول :
١. (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ). (٣)
٢. (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ). (٤)
٣. (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ). (٥)
ففي هذه الطائفة من الآيات يوكل الذكرُ الحكيم القضاءَ إلى وجدان
__________________
(١). كشف المراد المطبوع مع تعاليقنا : ٥٩.
(٢). نهج الحق وكشف الصدق : ٨٣.
(٣). سورة ص : ٢٨.
(٤). القلم : ٣٥ ـ ٣٦.
(٥). الرحمن : ٦٠.