ولنمثل لإعمال مرجّحات باب التزاحم مثالاً يوضح المقصود :
قد أصبح تشريح بدن الإنسان في المختبرات من الضروريات الحيوية التي يتوقّف عليها نظام الطب الحديث ، فلا يتسنّى تعلم الطب إلّا بالتشريح والاطّلاع على خفايا أجهزة الجسم وأمراضها.
غير أنّ هذه المصلحة تصادمها ، مصلحة احترام المؤمن حيّهِ وميّتهِ ، إلى حدّ أوجب الشارع ، الإسراع في تغسيله وتكفينه وتجهيزه للدفن ، ولا يجوز نبش قبره إذا دفن ، ولا يجوز التمثيل به وتقطيع أعضائه ، بل هو من المحرّمات الكبيرة ، والذي لم يجوّزه الشارع حتى بالنسبة إلى الكلب العقور ، غير أنّ عناية الشارع بالصحّة العامّة وتقدّم العلوم جعلته يسوّغ ممارسة هذا العمل لتلك الغاية ، مقدّماً بدن الكافر على المسلم ، والمسلم غير المعروف على المعروف منه ، وهكذا ....
١٠. تقسيم حالات المكلّف إلى أقسام ثلاثة
إنّ تقسيم حالات المكلّف إلى أقسام ثلاثة ـ أعني : كونه قاطعاً بالحكم ، أو ظانّاً ، أو شاكّاً فيه ـ تقسيم طبيعي في مورد الحكم الشرعي ، بل بالنسبة إلى كلّ شيء يفكر الإنسان فيه ويلتفت إليه فهو بين قاطع وظان وشاك.
لا شكّ أنّ القاطع يعمل بقطعه ولا يمكن نهيه عن العمل بالقطع ، لأنّه يرى نفسه مصيباً للواقع ، إنّما الكلام في الشقين الأخيرين ، فالإمامية لا يعتقدون بحجّية الظنون في مورد استنباط الأحكام إلّا ما قام الدليل القطعي على حجّيته ، ويستدلّون على ذلك بأنّ الشكّ في حجّية الظن يوجب القطع بعدم الحجّية ، ولعلّ بعض الناس يتلقاه لُغزاً ، إذ كيف يتولّد من الظن بالحجّية ، القطع بعدمها ، ولكنّه تظهر صحته بأدنى تأمّل ، وذلك لأنّ المراد من الظن هو الظن