وبذلك يظهر الخلط بين كلمات الفقهاء فلم يميّزوا بين الأدلّة الاجتهادية والأُصول العملية فربّما جعلوا الأصل معارضاً للدليل الاجتهادي.
١٢. تقديم أحد الدليلين على الآخر بملاكات
لا شكّ أنّ بعض الأدلّة يتقدّم على الآخر ولكن المذكور في كلمات الأُصوليين ملاك واحد ، وهو أنّ المخصص يتقدّم على العام ، والمقيّد على المطلق وربّما يضاف إليهما تقدّم الناسخ على المنسوخ ، وهذا ممّا لا ريب فيه ، ولكن هناك موجبات أُخرى توجب تقدّم أحد الدليلين الاجتهاديين على الآخر ، وهي عبارة عن العنوانين التاليين :
أ. كون الدليل حاكماً على دليل آخر.
ب. كونه وارداً على الآخر.
أمّا الحاكم فهو عبارة عن : أن يكون لسان أحد الدليلين بالنسبة إلى الدليل الآخر لسان التفسير فيقدّم المفسِّر على المفسَّر ، مثلاً : قال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ)(١) ، فالآية صريحة في الطهارة المائية وأنّ شرط صحة الصلاة هو تحصيل الطهارة المائية قبلها.
وإذا قيس قوله : «التراب أحد الطهورين يكفيك عشر سنين» إلى الآية ، يأخذ لنفسه طابع التفسير ويوسّع الشرط اللازم تحصيله قبل الصلاة ، فتكون النتيجة شرطية مطلق الطهارة : المائية والترابية ، غاية الأمر أنّ الاجتزاء بالثانية رهن فقدان الأُولى.
ونظير ذلك قوله : «الطواف بالبيت صلاة» فيستدلّ به على وجوب تحصيل
__________________
(١). المائدة : ٦.