و «قبح الكذب» ، فمن أين نعلم أنّ الشارع صادق في إخباره؟ لأنّه لم يثبت بعدُ حسن الصدق ولا قبح الكذب ، فإذا أخبرنا عن شيء أنّه حسن ، لم نجزم بحسنه حتّى عند الشرع ، لتجويز الكذب عليه.
والحاصل : أنّه لو لم نعرف حسن الأفعال وقبحها شرعاً إلّا عن طريق إخبار الأنبياء ، فإذا قالوا : الصدق حسن والكذب قبيح ، لا يحصل لنا العلم بصدق القضية ، إذ نحتمل أن يكون المخبر كاذباً.
ولو قيل : إنّه سبحانه شهد على صدق مقالة أنبيائه ، فنقول : إنّ شهادته سبحانه لم تصل إلينا إلّا عن طريقهم ، فمن أين نعلم صدقهم في كلامهم هذا؟
أضف إلى ذلك من أين نعلم أنّه سبحانه ـ والعياذ بالله ـ لا يكذب؟
فهذه الاحتمالات لا تندفع إلّا باستقلال العقل ـ قبل كلّ شيء ـ بحسن الصدق وقبح الكذب ، وأنّه سبحانه منزّه عن القبح .... (١)
وربّما يعترض عليه بأنّ ما ذكر من التالي (عدم ثبوت الحسن والقبح مطلقاً حتّى بالشرع لو كان الطريق منحصراً بالسماع من الشرع) إنّما يصحّ إذا انحصر الطريق بإخباره المحتمل فيه الصدق والكذب ، وأمّا لو كان الطريق هو أمره ونهيه فلا يتطرّق إليه احتمال الكذب ، لأنّه والصدق من أوصاف الإخبار لا الإنشاء.
وهذا هو ما ذكره القوشجي معترضاً به على المحقّق الطوسي وقال : إنّ الحسن والقبح عبارة عن كون الحسن متعلّق الأمر والمدح ، والقبيح متعلق النهي والذمّ. (٢)
ويلاحظ عليه : أنّ احتمال الكذب في الإنشاء وإن كان منتفياً ، لكنّ هنا
__________________
(١). لاحظ كشف المراد : ٥٩ ، المطبوع مع تعاليقنا.
(٢). شرح التجريد للقوشجي : ٤٤٢ ، طبعة تبريز.