المجتهد لتخريج مناطه وبالتالي تسرية الحكم إلى كلّ موضوع يوجد فيه المناط.
مثلاً قد ورد في الحديث «لا يزوِّجُ البكرَ الصغيرةَ إلّا وليُّها» ، فقد ألحق بها أصحاب القياس الثيّبَ الصغيرة ، بل المجنونةَ والمعتوهةَ ، وذلك بتخريج المناط ، وانّه عبارة عن كون المزوّجة صغيرة ناقصة العقل ، فيعمّ الحكمُ الثيّبَ الصغيرة والمجنونة أو المعتوهة لاتّحاد المناط.
وأمّا كيفية تخريج المناط فبأن يقال قد اعتبر الشارع الصغر علّة للولاية على المال ، والولاية على المال. والولاية على التزويج نوعان من جنس واحد وهو الولاية ، فيكون الشارع قد اعتبر الصغر علّة للولاية على التزويج بوجه من وجوه الاعتبار ، ولهذا يقاس على البكر الصغيرة ، مَن في حكمها من جهة نقص العقل ، وهي الثيب الصغيرة والمجنونة والمعتوهة.
وبذلك أسقطوا دلالة لفظ «البكارة» من الحديث مع إمكان أن تكون جزءاً من التعليل كما هو مقتضى جمعها مع الصغر على فرض امكان استفادة التعليل من أمثال هذه التعابير. (١)
وهذه النقطة هي النقطة الحسّاسة بين نفاة القياس ومثبتيه.
فإنّ العلم بمناطات الأحكام وملاكاتها أمر مشكل لا يصحّ لأحد ادّعاؤه ، فإنّ الإنسان لم يزل في عالم الحس خاطئاً فيما يُمارس من العلوم ، فإذا كان هذا حال عالم المادة الملموسة ، فكيف بملاكات الأحكام ومناطاتها المستورة على العقل ، إلّا في موارد جزئية كالإسكار في الخمر ، أو إيقاع العداء والبغضاء في الميسر ، أو إيراث المرض في النهي عن النجاسات؟ وأمّا ما يرجع إلى العبادات والمعاملات ، خصوصاً في ما يرجع إلى أبواب الحدود والديات فالعقل قاصر عن إدراك
__________________
(١). الأُصول العامة للفقه المقارن : ٢٩٨.