لا يكون دليلاً على أنّ الشارع جعل القياس حجّة فيما لا نصّ فيه ، إذ من المحتمل أنّ الشارع قد حلّ العقدة من طريق آخر : نظير :
١. الرجوع إلى الأُصول العملية الأربعة ، أعني : البراءة والتخيير والاحتياط والاستصحاب ، التي لها دلائل صالحة في الكتاب والسنّة والعقل ، ولكلّ مورد خاص ؛ ففي الشكّ في أصل التكليف ، المرجع هو البراءة ، وفي ما لو علم التكليف ولم يتمكّن من الاحتياط يعمل بالتخيير ، وفي ما يتمكّن منه فالمرجع هو الاحتياط ، كلّ ذلك فيما إذا لم يكن للشيء المشكوك حالة سابقة ، وإلّا يعمل على وفق الحالة السابقة.
٢. أو الرجوع إلى أحاديث أئمّة أهل البيت الذين هم قرناء الكتاب في الحجّية ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي». (١) ولا عذر لفقهاء السنّة في ترك العمل بأحاديثهم ، بعد قبول حديث الثقلين.
٣. الرجوع إلى القوانين الوضعية لمجالس التقنين الحرّ في العالم.
فعدم إيفاء النصوص بالإجابة لا يكون دليلاً لخصوص حجّية القياس مع أنّ أمام المجتهد هذه الطرق الثلاثة ، وبالأخصّ الطريق الثاني الّذي أكّد عليه النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم في غير موضع من المواضع.
الأمر العاشر : الاختلاف في حجّية القياس
إنّ العمل بالقياس قد وقع موقع نقاش بين الصحابة وبعدهم ، فأئمّة أهل البيت عليهمالسلام وفي مقدّمتهم الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام أنكروا العمل به ، ووافقهم من الفقهاء : داود بن خلف إمام أهل الظاهر ، وتبعه ابن حزم الأندلسي ، فلم
__________________
(١). حديث متواتر أو متضافر.