الحجّية ـ وقد ثبت في محلّه أنّ الشكّ في حجّية كلّ ظن ـ لم يقم على حجّيته دليل ـ يلازم القطع بعدم الحجّية ما لم يدل دليل عليه ، فيكفي في نفي حجّيّة عدم الدليل عليها ، وقد استدلّ القائلون بحجّته بوجوه من النقل نشير إلى أهمّها :
١. حديث الجارية الخثعمية قالت : يا رسول الله إنّ أبي أدركته فريضة الحج شيخاً ، زمناً لا يستطيع أن يحج ، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟
فقال لها : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك؟» قالت : نعم ، قال : «فدَيْن الله أحقّ بالقضاء».
٢. حديث ابن عباس : انّ امرأة جاءت إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : إنّ أُمي نذرت أن تحجّ فماتت قبل أن تحجّ ، أفأحج عنها؟ قال : «نعم حجّي عنها ، أرأيت لو كان على أُمّك دَيْن أكنت قاضيه؟».
قالت : نعم ، فقال : «اقضوا لله فإنّ الله أحقّ بالوفاء». (١)
وجه الاستدلال : انّ الرسول ألْحق دَيْن الله بدين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه ، وهو عين القياس بشهادة أنّه قال : «فدَيْن الله أحقّ بالقضاء والوفاء». (٢)
يلاحظ على الاستدلال بكلا الحديثين ـ مضافاً إلى أنّ الاستدلال على حجّية قياس غير المعصوم ، بقياس المعصوم نوع من القياس ، وهو أوّل الكلام ـ بوجهين :
الأوّل : أنّ القياس الوارد في كلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من باب القياس الأولوي ، وذلك لأنّه إذا وجب الوفاء بحقوق الناس حسب النص فحقوق الله أولى بالقضاء والوفاء ـ كما نصّ به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحديث ـ وأين هذا من مورد النزاع؟! وقد تقدّم أنّ القياس الأولويّ عمل بالنصّ ، لأنّه مدلول عرفي وليس عملاً بالقياس.
الثاني : أنّ القياس من أقسام الاستنباط وهو استخراج حكم الفرع من
__________________
(١). السرخسي ، أُصول الفقه : ٢ / ١٣٠.
(٢). السرخسي ، أُصول الفقه : ٢ / ١٣٠.