الأصل بالدقّة وإعمال النظر وبعد التأنّي والتفكير. وذلك لأنّ الحكم يكون في الأصل واضحاً ، وفي الفرع خفيّاً ، فيُزال الخفاء عن وجه الفرع بفضل القياس.
ولكن المقام يفقد هذا الشرط ، فإنّ الأصل والفرع على صعيد واحد وهو وجوب قضاء الدين ، غير أنّ المخاطب كان يحضره حكم أحد الموردين دون الآخر ، فأرشده النبي إلى ما كان يحضره من قضاء دين الناس ، حتّى ينتقل إلى حكم ما لا يحضره ، لما أنّ الموردين من أقسام الضابطة الكلية ، أعني : وجوب أداء الحق ممّن عليه ، إلى من له من غير فرق بين كونه من مقولة حقوق الله أو حقوق الناس.
إنّ المقام أشبه بما يقال : إنّ من شرائط الاستدلال بالقياس أن لا يتناول دليل الأصل ، إثبات الحكم في الفرع ، وإلّا لغى التمسك بالعلّة المشتركة ، كما إذا قيل : النبيذ حرام بجامع الإسكار الموجود في الخمر ، مع دليل الأصل كاف في إثبات الحكم له من دون حاجة إلى التعليل ، وهو قوله : «كلّ مسكر خمر وكلّ مسكر حرام». (١)
وجه الشبه : انّ الكبرى الشرعية «يجب قضاء الدين» يتناول حكم الفرع كما يتناول حكم الأصل ، غير أنّ المخاطب كان غافلاً عن أحد الفردين ، نبّه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّه مثل حق الناس يجب قضاؤه.
٣. حديث عمر بن الخطاب ، قال : قلت : يا رسول الله ، أتيتُ أمراً عظيماً ، قبّلتُ وأنا صائم ، فقال رسول الله : «أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم» ، فقلتُ : لا بأس بذلك ، فقال رسول الله : «فصم».
وجه الاستدلال : أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قاس القُبْلة بالمضمضة ، فحكمَ بعدم بطلان
__________________
(١). صحيح مسلم بشرح النووي ، باب الأثر : ١٣ / ١٧٢ و ١٦٧.