الثالث : أن يكون الحكم على وفق المصلحة مستلزماً لإدخال ما ليس من الدين في الدين ، فيكون تشريعاً محرّماً بالأدلّة الأربعة ، وقد عرفت أنّ من الشرائط التي اعتبرها مالك بن أنس أن لا تمس المصالح المرسلة العبادات ، لأنّ أغلبها توقيفية ، وعلى هذا يكون الأذان الثاني أو الثالث بدعة محرّمة.
وأمّا المصلحة المزعومة من عدم كفاية الأذان بين يدي الخطيب لإعلامهم فلا يكون مسوّغاً لتشريع أذان آخر ، وإنّما يتوصل إليه بأمر آخر.
الرابع : أن يكون المورد ممّا ترك أمره إلى الحاكم الإسلامي ، ولم يكن للإسلام فيه حكم خاص ، وهذا كتجنيد الجنود وإعداد السلاح وحماية البلاد ، فإنّ القانون هو ما ورد من قوله سبحانه : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ). (١)
وأمّا تطبيق هذا القانون الكلّي فهو رهن المصالح ، فللحاكم تطبيق القانون الكلّي على حسب المصالح ، وهذا كتدوين الدواوين ، وسك النقود ، فإنّ الحكم الشرعي فيها هو حفظ مصالح المسلمين وصيانة بلادهم من كيد الأعداء.
وعلى هذا فالاستصلاح أو المصالح المرسلة تتحدّد بهذا القسم دون سائر الأقسام.
الخامس : تشريع الحكم حسب المصالح والمفاسد العامّة ، فلو افترضنا أنّ موضوعاً مستجداً لم يكن له نظير في عصر النبي والأئمّة المعصومين عليهمالسلام ، وفيه مصلحة عامّة للمسلمين ، كضرورة إقامة الحكومة ؛ أو مفسدة لهم ، كالمخدّرات القتّالة ، فالعقل يحكم بجلب الأُولى والاجتناب عن الثانية ، وعندئذ يكون الاستصلاح منشأ لكشف العقل عن حكم شرعي من دون أن يكون للمجتهد
__________________
(١). الأنفال : ٦٠.