لم يرد فيه نصّ على علّة الحكم ، فأخذ المجتهد يردّد العلّة بين كونها من العنب ، أو كونها سائلاً ، أو كونها ذا لون خاص ، أو كونها مسكراً ، وعندئذ يستبعد كلّ واحدة من العلل إلّا الأخيرة ، فيحكم بأنّها العلّة ، ثمّ يقيس كلّ مسكر عليها ، وهذا النوع من المناط خاص بالخمر وما هو نظيرها في الموضوع ، لكن أكثر موارد القياس يفقد هذا النوع من الاطمئنان ، وأكثر من يحتج على صحّة تخريج المناط يُمثل بالخمر الّذي لا يشكّ الإنسان بعد التأمّل في أنّ مناط تحريمها هو الإسكار ، فأين هو من سائر الموارد المبهمة؟!
٢. التقسيم إذا كان دائراً بين النفي والإثبات يفيد اليقين ، كقولك : العدد إمّا زوج أو فرد ، والحيوان إمّا ناطق أو غير ناطق ، وأمّا إذا كان بشكل التقسيم والسبر ، أي ملاحظة كلّ وصف خاص وصلاحيته للحكم ، فما استحسنه الذوق الفقهي يجعله مناطاً للحكم ، وما استبعده يطرحه ، فمثل هذا لا يكون مناطاً قطعياً بل ظنياً ، وهذا شيء أطبق عليه مثبتو القياس.
وفي ضوء ما ذكرنا فتنقيح المناط في الموردين المذكورين من الأدلّة العقلية القطعية ، وأمّا في غيرهما فهو من الأدلّة العقلية الظنيّة ، ويشبه أن يكون نفس القياس مستنبط العلّة الّذي يبحث عنه في باب القياس ، وهو من الأدلّة الظنية ، ولكنّا بصدد بيان الأدلّة القطعية.
ولأجل أن يقف القارئ على أنّ تخريج المناط دليل ظني لا قطعي نأتي بمثال :
قد ورد في الحديث : «لا يُزوّج البكرَ الصغير إلّا وليُّها» ، فقد ألحق بها بعض فقهاء السنّة الثيِّب الصغيرة ، بل المجنونة والمعتوهة.
وذلك بتخريج المناط ، وانّه عبارة عن كون المزوّجة صغيرة ناقصة العقل ،