نتيجة الإطلاق والتقييد يكون من دليل آخر ، وقد ادّعى تواتر الأدلّة على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل ، وأنّ الحكم مطلق في حقّ العالم والجاهل ، ولكن تلك الأدلّة قابلة للتخصيص ، وقد خصّص في غير مورد ، كما في مورد الجهر والإخفات والقصر والإتمام. (١)
ومن هذه الموارد توجيه مقالة الأخباريين بأن يقال : إنّ الأحكام الواقعية قيّدت بنتيجة التقييد ، وهي إنّ الأحكام الشرعية ، إنّما تجب إطاعتها إذا وصلت إلى المكلّف عن طريق الكتاب والسنّة.
ويلاحظ عليه أوّلاً : بأنّ تقابل الإطلاق والتقييد اللحاظيّين تقابل الضدّين ؛ لفرض قيامهما بلحاظ السعة والضيق ، فكيف يكون تقابلهما تقابل العدم والملكة؟
وثانياً : سلّمنا أنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، ولكن لا يصحّ ما رتب عليه ، وهو أنّه إذا لم يصحّ تقييد الحكم بالعلم به يمتنع إطلاقه بالنسبة إلى العالم والجاهل به ، وذلك لأنّ امتناع التقييد لأجل استلزامه الدور ، وهو مختص بصورة التقييد بالعالم ، فلا مانع من إطلاقه بالنسبة إلى كلتا الحالتين ، فلا يلزم من امتناع التقييد امتناع الإطلاق.
وثالثاً : أنّ المحذور ـ على فرض قبوله ـ إنّما هو في الإطلاق اللحاظي ، بأن يلاحظ المكلّف في حالتي العلم والجهل بالحكم ، لا في الإطلاق الذاتي ، وهو كون الطبيعة متعلّقة للحكم ، أو كون ذات البالغ العاقل موضوعاً للحكم ، وهذا متحقّق في كلتا الحالتين ؛ سواء أكان هناك علم بالحكم أم لا.
فالمحذور المتصوّر في باب الإطلاق اللحاظي غير جار في الإطلاق الذاتي فلا وجه لعدّهما من باب واحد.
__________________
(١). فوائد الأُصول : ٣ / ١٢.