لا يرضى بتركه حتّى في صورة الظن والشكّ ، كما إذا شاهدنا غريقاً نحتمل أنّه ولد المولى ، فالعقل يحكم بالاحتياط لافتراض انّ التكليف فعلي منجز في صورة الاحتمال أيضاً ، كما هو كذلك في صورتي الظن والقطع.
الثالث : إذا تمكّن المولى من البيان ، على نحو يكون قادراً على بيان مقاصده ، وأغراضه بأحد الوجهين ، ومع ذلك ترك البيان ، ولم يُلزم العبدَ بالإيجاب أو الترك فعندئذ يستقل العقل بعدم مسئولية العبد أمام مولاه ، إذ لو كان له غرض لازم الاستيفاء لأبانه وبيّنه ولما سكت عنده.
نعم يمنع عن إجراء البراءة ، انتفاء أحد الأُمور الثلاثة الماضية وذلك بتحقّق أحد الأُمور التالية :
أ : ورود البيان من المولى إمّا بالعنوان الأوّلي أو بالعنوان الثانوي.
ب : احتمال وجود غرض مطلوب للمولى في المورد على نحو يكون الحكم فعلياً حتّى في صورة الشكّ أيضاً.
ج : كون المولى غير متمكّن من البيان ، وعاجزاً عن تقرير مقاصده ، وممنوعاً من التكلّم على نحو تنقطع منه صلته بالمكلَّف.
والمفروض وجود الشرائط الثلاثة وعدم انتفائها فتجري البراءة العقلية ، لعدم تمامية الحجّة على العبد ، لو لم نقل بالعكس.
إنّ استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان لا يتوقّف على إدخاله تحت عنوان الظلم بأن يكون العقاب مع عدم البيان ظلماً بالنسبة إلى العبد ، لما قلنا في محلّه من أنّ المستقلات العقلية في الحكمة العمليّة أكثر من القضيتين المعروفتين : ب ـ : «حسن العدل وقبح الظلم» ، بل ربما يستقل العقل بأُمور ، وإن لم ينطبق عليها عنوان الظلم أو العدل ، كاستقلاله بحسن الوفاء بالميثاق وقبح نقضه ،