خارج عن محط البحث.
ثمّ إنّ لغير واحد من المحقّقين بياناً آخر لتقرير البراءة العقلية نذكره مشفوعاً بالنقد والتحليل.
١. البيان الواقعي غير محرّك
ذكر المحقّق النائيني قدسسره وجهاً لحكم العقل بالبراءة عند الشكّ في التكليف ، حاصله : انّ مجرد البيان الواقعي ، مع عدم وصوله إلى المكلّف ، لا يكفي في صحّة المؤاخذة واستحقاق العقوبة ، لأنّ وجود البيان الواقعي كعدمه ، غير قابل لأن يكون باعثاً ومحركاً لإرادة العبد ما لم يصل إليه الأمر ويكون له وجود علمي. (١)
يلاحظ عليه : أنّ الأمر مطلقاً ، ـ بوجوده الواقعي وبوجوده العلمي ـ ليس محركاً للعبد نحو المطلوب وليس له أثر ـ حتّى بعد الوصول ـ سوى بيان موضوع الطاعة ، وإنّما المحرك لإرادة العبد هو الخوف من العقاب ، أو الطمع في الثواب ، ونسبة التحرك إلى الأمر ، نسبة مجازية باعتبار كونه موضوعاً لما يترتّب على مخالفته ، العقاب ، وعلى موافقته الثواب.
فإذا لم يكن للأمر تأثير سوى بيان موضوع الطاعة ، فلا بدّ من نقل الكلام ، إلى تحديد مسئولية العبد ـ عند العقل ـ أمام المولى ، فلو كان مسئولاً فيما تُعدّ موافقته طاعة ، ومخالفته تمرّداً فلا يجب الاحتياط في صورة الظن بالتكليف أو احتماله ، ولو كان مسئولاً أمام المولى مطلقاً في عامة الحالات ، فلا بدّ من الاحتياط ، فكون الأمر محركاً في صورة الوصول وغير محرّك عن غير هذه الصورة كأنّه أجنبيّ عمّا هو المقصود. ولا بدّ من التركيز على مقدار مسئولية العبد أمام مولاه كما عرفت
__________________
(١). فوائد الأُصول : ٣ / ٣٦٥.