نحن نؤمن في هذا المسلك بأنّ المولوية الذاتية الثابتة لله سبحانه وتعالى لا تختص بالتكاليف المقطوعة ، بل تشمل مطلق التكاليف الواصلة ولو احتمالاً ، وهذا من مدركات العقل العملي وهي غير مبرهنة ، فكما أنّ أصل حقّ الطاعة للمنعِم والخالق مدرك أوّلي للعقل العملي غير مبرهن ، كذلك حدوده سعة وضيقاً ، وعليه فالقاعدة العملية الأوّلية هي أصالة الاشتغال بحكم العقل ما لم يثبت الترخيص الجادّ في ترك التحفظ ، فلا بدّ من الكلام على هذا الترخيص وإمكان إثباته شرعاً وهو ما يسمّى بالبراءة الشرعية. (١)
يلاحظ عليه بوجهين : أمّا أوّلاً : فإنّ ما أفاده «انّ أصل حقّ الطاعة للمنعم والخالق مدرك أوّلي للعقل العملي غير مبرهن ، كذلك حدوده سعة وضيقاً» منظور فيه ، فإن أراد بالبرهان ، البراهين الفلسفية الّتي يستلزم فرض نقيض المطلوب فيها اجتماعَ النقيضين أو ارتفاعهما فهو صحيح لكن هذا النوع من البرهان يختصّ بمسائل الحكمة النظرية لا الحكمة العملية والمفروض انّ المقام من القسم الثاني ، وعدم وجود هذا النوع من البرهان في المقام لا يضرّ بقطعية القضية لاستقلال العقل العملي بالبراءة عندئذ.
وإن أراد من عدم كونه برهانيّاً انّ العقل العملي لا يدرك دركاً وجدانياً ما هو حكمه في مورد حقّ الطاعة ولا موضوعه سعة وضيقاً فهو مرفوض ، إذ لا معنى لأن يتوقّف العقل في الموضوعات الّتي له فيها حقّ القضاء ، وقد عرفت أنّ العقل في الشبهات الحكمية البدوية يحكم بحكمين :
١. إذا احتمل العبد انّ للمولى غرضاً لازم الاستيفاء في عامة المجالات وإن كان مشكوكاً ، فعندئذ يستقلّ بالاشتغال واعمال الاحتياط ومورد هذا النوع من
__________________
(١). الحلقة الثالثة : ٢ / ٣٣.