وأما الإقدام ، فلأنه أقدم على تمليك العين مجانا في الهبة وأقدم على تمليك المنفعة أو إباحتها مجانا في العارية ، وكل منهما كما ترى. أما الأصل فإنه لا مجال له في المقام ، فإن قاعدة (على اليد) شاملة للهبة والعارية كما أوضحناه فيها. ومثلها قاعدة الإتلاف ، لو أتلف العين المتهبة مثلا ، وقاعدة الاستيفاء ، لو استوفى منفعة العين المستعارة. وأما الإقدام فلما أسلفناه في الموجبة مضافا إلى أنه أقدم على المجانية بناء منه على أنها هبة وعارية لا مطلقا ، وقد تقدم ما يشبهه في الموجبة.
والتحقيق : إن مدرك السالبة أحد أمرين.
أولهما : إمكان دعوى انصراف أدلة الضمان عن موارد السالبة ، فتكون باقية على مقتضى الأصل ، وهو البراءة.
ثانيهما : (الطيب) المستثنى في رواية الحلبي وسماعة وغيرهما. فإن قوله (ع) إلا بطيب نفسه ، وإلا بطيبة نفس منه ، حاكم على سائر أدلة الضمان. وملاحظة روايات قاعدة الاحترام مستثنى ومستثنى منه يوجب الوثوق بانصراف الاحترام إلى مورد يكون المالك محافظا فيه على حرمة ماله ، دون ما إذا أباحه أو رخص فيه. وهي بعد ذلك تصلح للحكومة على قاعدة اليد والإتلاف. وأما قاعدة الاستيفاء ، فعمدة ما يستدل لها به الإجماع ، وهو مفقود هنا ، بل يمكن ادعاؤه على خلافها. وأما قاعدة الغرور فربما يتوهم أن موارد السالبة من مصاديقها ، وإن الواهب والمعير غاران ولكنه فاسد. وإذا لم يكن من مصاديقها كانت أجنبية عما نحن فيه. وتكون النتيجة من أتلف مال غيره وهو محترم له ، وعلى اليد ما أخذت من الأموال التي تحترمها أربابها. وهذا واضح وإن كان البيان يقصر عن توضيح البرهان.
فإن قلت : إن الواهب إذا طالب بما وهبه بعد فساد الهبة ، والمعير إذا طالب بمنفعة العين المستعارة بعد فساد العارية ، لا يكون طيب نفس ..
قلت : هذا حسن من حين المطالبة ، أما قبلها فلا. اللهم إلا أن يكون ملّكه على نحو وحدة المطلوب ، بمعنى كون تمليكه مشروطا بصحة الهبة ، وكون