التفات لهم إلى الآدميين ، بل لا التفات لهم إلى غير الله تعالى ، لاستغراقهم بجمال الحضرة الرّبوبيّة وجلالها ، فهم قاصرون عليه لحاظهم ، يسبّحون الليل والنهار لا يفترون. ولا تستبعد أن يكون في عباد الله من يشغله جلال الله عن الالتفات إلى آدم وذريّته ، ولا يستعظم الآدميّ إلى هذا الحد ، فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن لله أرضا بيضاء ، مسيرة الشمس فيها ثلاثون يوما ، مثل أيام الدنيا ثلاثين مرة ، مشحونة خلقا لا يعلمون أن الله تعالى يعصى في الأرض ، ولا يعلمون أن الله تعالى خلق آدم وإبليس». رواه ابن عباس رضي الله عنه واستوسع مملكة الله تعالى.
واعلم أن أكثر أفعال الله وأشرفها لا يعرفها أكثر الخلق ، بل إدراكهم مقصور على عالم الحسّ والتّخييل ، وأنهما النتيجة الأخيرة من نتائج عالم الملكوت وهو القشر الأقصى عن اللّب الأصفى ، ومن لم يجاوز هذه الدرجة فكأنه لم يشاهد من الرّمان إلا قشرته ، ومن عجائب الإنسان إلا بشرته ، فهذه جملة القسم الأول ، وفيها أصناف اليواقيت ، وسنتلو عليك الآيات الواردة فيها على الخصوص جملة واحدة ، فإنها زبدة القرآن وقلبه ولبابه وسرّه.
القسم الثاني
في تعريف طريق السلوك إلى الله تعالى
وذلك بالتّبتّل كما قال الله تعالى (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)(١) أي
__________________
(١) الآية ٨ / من سورة المزّمّل.