انقطع إليه ، والانقطاع إليه يكون بالإقبال عليه ، والاعراض عن غيره ، وترجمته قوله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً)(١). والإقبال عليه إنما يكون بملازمة الذّكر ، والإعراض عن غيره يكون بمخالفة الهوى والتّنقّي عن كدورات الدنيا وتزكية القلب عنها ، والفلاح نتيجتها كما قال الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)(٢).
فعمدة الطريق أمران : الملازمة ، والمخالفة ؛ الملازمة لذكر الله تعالى ، والمخالفة لما يشغل عن الله ، وهذا هو السفر إلى الله ، وليس في هذا السفر حركة ، لا من جانب المسافر ، ولا من جانب المسافر إليه ، فإنهما معا ، أو ما سمعت قوله تعالى وهو أصدق القائلين (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(٣)؟
بل مثل الطالب والمطلوب مثل صورة حاضرة مع مرآة ، ولكن ليست تتجلّى في المرآة لصدأ في وجه المرآة ، فمتى صقلتها تجلّت فيه الصورة ، لا بارتحال الصورة إلى المرآة ، ولا بحركة المرآة إلى الصورة ، ولكن بزوال الحجاب ، فإن الله تعالى متجلّ بذاته لا يختفي ، إذ يستحيل اختفاء النور ، وبالنور يظهر كلّ خفاء ، الله نور السموات والأرض ، وإنما خفاء النور عن الحدقة لأحد أمرين : إما لكدورة في الحدقة ، وإما لضعف فيها ، إذ لا تطيق احتمال النور العظيم الباهر ، كما لا يطيق نور الشمس أبصار الخفافيش ، فما عليك إلا أن تنقّي عن عين القلب كدورته ، وتقوّي حدقته ، فإذا هو فيه
__________________
(١) الآية ٩ / من سورة المزّمّل.
(٢) الآيتان ١٤ ، ١٥ / من سورة الأعلى
(٣) الآية ١٦ / من سورة ق.