وتعالى في شيئين : أحدهما انتفاء النهاية عنه ، والآخر أن العلوم ليست في حقه بالقوة والإمكان الذي ينتظر خروجه بالوجود ، بل هو بالوجود والحضور ، فكل ممكن في حقه من الكمال فهو حاضر موجود.
ثم هذه العلوم ما عددناها وما لم نعدها ليست أوائلها خارجة عن القرآن ، فإن جميعها مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله تعالى ، وهو بحر الأفعال ، وقد ذكرنا أنه بحر لا ساحل له ، وأن البحر لو كان مدادا لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد. فمن أفعال الله تعالى وهو بحر الأفعال مثلا الشفاء والمرض ، كما قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليهالسلام : (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)(١). وهذا الفعل الواحد لا يعرفه إلا من عرف الطبّ بكماله ، إذ لا معنى للطب إلا معرفة المرض بكماله وعلاماته ، ومعرفة الشفاء وأسبابه ، ومن أفعاله تبارك وتعالى تقدير معرفة الشمس والقمر ومنازلهما بحسبان ، وقد قال الله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ)(٢) ؛ وقال : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ)(٣) ؛ وقال : (وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)(٤) ؛ وقال : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ)(٥) ؛ وقال : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(٦).
__________________
(١) الآية ٨٠ / من سورة الشعراء.
(٢) الآية ٥ / من سورة الرحمن.
(٣) الآية ٥ / من سورة يونس.
(٤) الآية ٨ / من سورة القيامة.
(٥) الآية ١٣ / من سورة فاطر.
(٦) الآية ٣٨ / من سورة يس.