الفصل الثالث عشر
في كون الفاتحة
مفتاحا لأبواب الجنّة الثمانية
وعند هذا ننبّهك على دقيقة فنقول : إن هذه السورة فاتحة الكتاب ومفتاح الجنّة ، وإنما كانت مفتاحا لأن أبواب الجنة ثمانية ومعاني الفاتحة ترجع إلى ثمانية. فاعلم قطعا أن كل قسم منها مفتاح باب من أبواب الجنة تشهد به الأخبار ، فإن كنت لا تصادف من قلبك الإيمان والتصديق به ، وطلبت فيه المناسبة ، فدع عنك ما فهمته من ظاهر الجنة ، فلا يخفى عليك أن كل قسم يفتح باب بستان من بساتين المعرفة ، كما أشرنا إليها في آثار رحمة الله تعالى وعجائب صنعه وغيرها.
ولا تظنّ أن روح العارف من الانشراح في رياض المعرفة وبساتينها أقلّ من روح من يدخل الجنّة التي يعرفها ويقضي فيها شهوة البطن والفرج ، وأنّى يتساويان؟ بل لا ينكر أن يكون في العارفين من رغبته في فتح أبواب المعارف ، لينظر إلى ملكوت السماء والأرض ، وجلال خالقها ومدبرها ، أكثر من رغبته في المنكوح والمأكول والملبوس ، وكيف لا تكون هذه الرغبة أكثر وأغلب على العارف البصير وهي مشاركة للملائكة في الفردوس الأعلى ، إذ لا حظّ للملائكة في المطعم والمشرب والمنكح والملبس. ولعل تمتّع