الفصل الثامن عشر
في حال العارفين
ونسبة لذّتهم إلى لذّة الغافلين
واعلم أنه لو خلق فيك شوق إلى لقاء الله ، وشهوة إلى معرفة جلاله ، أصدق وأقوى من شهوتك للأكل والنكاح ، لكنت تؤثر جنة المعارف ورياضها وبساتينها على الجنة التي فيها قضاء الشهوات المحسوسة.
واعلم أن هذه الشهوة خلقت للعارفين ولم تخلق لك ، كما خلقت لك شهوة الجاه ولم تخلق للصبيان ، وإنما للصبيان شهوة اللعب فقط. فأنت تتعجب من الصبيان في عكوفهم على لذة اللعب وخلوهم عن لذّة الرئاسة. والعارف يتعجب منك في عكوفك على لذّة الجاه والرئاسة ، فإن الدنيا بحذافيرها عند العارف لهو ولعب.
ولمّا خلقت هذه الشهوة للعارفين كان التذاذهم بالمعرفة بقدر شهوتهم ، ولا نسبة لتلك اللذة إلى لذة الشهوات الحسّيّة ، فإنها لذة لا يعتريها الزوال ، ولا يغيّرها الملال. بل لا تزال تتضاعف وتترادف ، وتزداد بزيادة المعرفة والأشواق فيها ، بخلاف سائر الشهوات ، إلا أن هذه الشهوة لا تخلق في الإنسان إلا بعد البلوغ أعني البلوغ إلى حد الرجال. ومن لم تخلق فيه فهو إما صبي لم تكمل فطرته لقبول هذه