وفي آية النفر في قوله تعالى (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)(١) ، فبناءً على دلالتها لأصل التقليد ، وأنّ المستفاد من ظاهرها لزوم التحذّر من إنذار المنذر المتفقّه في الدين مطلقاً ، سواء أكان مجتهداً مطلقاً أو متجزّياً استنبط جملة من أحكام الدين ، بل ربما يعمّ من استنبط مسألة أو مسألتين. نعم لا دلالة لها بوجه على وجوبه عند إنذار كلّ منذر وإن لم يصدق أنّه فقيه.
فيكون نطاق الآية نطاق بناء العقلاء ، وإن أبيت عن ذلك فلا أقلّ من شمول الآية الشريفة للمتجزّي الذي استنبط جملة من الأحكام ممّا يعتدّ بها عرفاً.
الوجه الثاني الأخبار الشريفة :
كمقبولة عمر بن حنظلة حيث ورد فيها : (ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً).
وكذلك في حسنة أبي خديجة ، وفيها : (اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا).
فظاهر الروايات باعتبار إضافة المصدر المضاف والجمع المضاف هو اعتبار كون القاضي عارفاً بجميع أحكامهم وناظراً في حلالهم وحرامهم ، ولمّا كان باب الإفتاء وباب القضاء واحداً لوحدة الملاك وهو الحكم فيهما إلّا إذا قام الدليل على وجود الفارق بينهما ، فإنّه يشترط في المجتهد المفتي أن يكون كذلك ، فلا يصحّ الرجوع إلى من كان مجتهداً متجزّياً حتّى لو استنبط ما يعتدّ به من كتاب الطهارة
__________________
(١) التوبة : ١٢٢.