وأمّا الاجتهاد المصطلح عند الفقهاء وعلماء الأُصول من الفريقين السنّة والشيعة ـ : فقد ذكروا في ذلك تعاريف عديدة ، ومنشأ الاختلاف بينها باعتبار الأصالة والمفهوم والمحتوى ، فالاجتهاد عند السنّة يعدّ أصلاً مستقلا تجاه الكتاب والسنّة ، وهو عبارة عن القياس وما يوجب الظنّ المطلق من الاستحسانات العقلية وسدّ الذرائع وما شابه ممّا يوجب الحكم على طبق ما يرونه من المصالح والمفاسد الظنّية ، ولله درّ من سدّ باب هذا الاجتهاد ، فلو كان مفتوحاً لجاز دخول كلّ شيء في الدين ، وما ورد عن الأئمة الأطهار (عليهمالسلام) من النهي عن الاجتهاد ، فإنّ المقصود به مثل هذا الاجتهاد الذي لا يغني عن الحقّ شيئاً ، بل لو قيس الدين لمحق (١).
__________________
(١) اعلم أنّ الاجتهاد في مصطلح فقهاء الإسلام وعلماء أُصول الفقه يطلق ويراد به أحد معنيين :
الأوّل : الاجتهاد بالمعنى الخاصّ : وهو المعنى المرادف للقياس أو نفس القياس وكذلك الاستحسان ، يقول الشافعي : «فما القياس؟ أهو الاجتهاد أم هما مفترقان؟ قلت : هما اسمان بمعنى واحد» (الرسالة للشافعي : ٤٧٧) ، وعند مصطفى عبد الرزّاق أنّ القياس والاستنباط والاستحسان معاني مرادفة للاجتهاد فقال : «فالرأي الذي نتحدّث عنه هو الاعتماد على الفكر في استنباط الأحكام الشرعيّة وهو مرادنا بالاجتهاد والقياس ، وهو أيضاً مرادف للاستحسان والاستنباط» (تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية : ١٣٨) وهذا الاجتهاد هو المقصود عند السنّة وقد أنكره أئمة أهل البيت (عليهمالسلام) ض وفقهاء الشيعة غاية الإنكار ، فقال الإمام الصادق (عليهالسلام) لأبي حنيفة القائل بالقياس : «اتّق الله ولا تقس الدين برأيك» (حلية الأولياء ٣ : ١٩٦) ، وكتب علماء الشيعة مصنّفات في ردّ هذا الاجتهاد كابن عبد الرحمن الزبيري وعليّ بن أحمد