ـ ٦ ـ
هذا ، وقد عبّر بعض فضلاء طلابي عني بأني قد أخذت خلال هذه المباحث ، بأسلوب (اللاتفريط) في القرآن الكريم ، وهذا واضح من بعض المباحث الآتية.
ولعل أول تطبيق لهذا الأسلوب ، هو ما ذكرته في كتابي ما وراء الفقه ، في الفصل الخاص بالقرآن الكريم من كتاب الصلاة (١). حيث ذكرت ما محصله : إن القرآن يمكن أن يكون محتويا على اللحن بالقواعد العربية ومخالفتها وعصيانها ، كما هو المنساق من بعض آياته ، وذلك لأن مقتضى قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) ، هو احتواء القرآن الكريم على كل علوم الكون ظاهرا وباطنا.
ومن العلوم أن هذا الكون الذي نعرفه يحتوي على النقص كما يحتوي على الكمال ، وفيه الخير والشر ، والقليل والكثير. إذن ، فيمكن التمسك بإطلاق تلك الآية الكريمة ، لاحتواء القرآن على كل ما في الكون ، بما فيه ما نحسبه من النقائص والحدود.
ولا ضير في ذلك ، ما دامت هذه الصفة تعدّ كمالا له ، من حيث الاستيعاب والشمول واللاتفريط.
فكما يحتوي القرآن الكريم ، على الفصاحة والبلاغة ، وهذه هي الصفة الأساسية فيه ، فقد يحتوي أيضا ، بل من الضروري أن يحتوي على ضدها ، لأنه (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ). وكما يحتوي على اللغة العربية ، وهي سمته العامة ، ينبغي أن يحتوي على لغات أخرى ، وكما يحتوي على الظاهر العرفي ، ينبغي أن يحتوي على الباطن الدّقّي ، وهكذا.
وبهذا يتبرهن أسلوب اللاتفريط المأخوذ لفظه من الآية المشار إليها. وهو
__________________
(١) ج ١ ، ق ٢ ، ص ١٣٠.