أهل مكة ، لقدسية الكعبة والحرم المكي الذي كانت فكرته موجودة إجمالا في الجاهلية وأشير إليه في القرآن الكريم كقوله تعالى (١) : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ). وقال تعالى (٢) : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ).
هذا. ويمكن أن نقول : إن قوله : (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ) ، يعني لأجل هذا السبب ، بالرغم من كونه نعتا. وهو لا يفيد هذه الجهة لا نحويا ولا أصوليا ، إلّا أن الحدس العرفي يقرر ذلك. وله شواهد في القرآن الكريم كقوله تعالى (٣) : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ ...). وقوله (٤) : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا ...). وغير ذلك كثير.
سؤال : ما معنى أطعمهم؟
جوابه : إنه على معنى قدم لهم الطعام ومكنهم منه. وهو إما حقيقة أو مجاز. والمراد ليس هو الطعام الحقيقي ، بل مطلق سبل العيش والرزق. كل ما في الأمر : إن إطعامهم إيجابي ، وأمنهم سلبي يعني دفع عنهم أسباب الخوف والبلاء. ومن هنا كان استناده إلى الله أوضح ، لأنه ليس باختيار أحد. وإنما هو المدبر.
وفي الإمكان حمل هذه النعم على النعم المعنوية ، لأن كيان الإنسان على مستويات متعددة : الجسم والنفس والعقل والروح. وقد جعل الله سبحانه لكل منها لذة وألما وخوفا وأمنا.
كما يمكن أن نحمل ذلك على المستوى الأخروي. فأطعمهم من جوع يعني : أثابهم في وقت حاجتهم إلى الثواب ، وأمنهم من خوف ، أي من عقاب جهنم.
__________________
(١) العنكبوت / ٦٧.
(٢) القصص / ٥٧.
(٣) إبراهيم / ٣٩.
(٤) الأعراف / ٤٣.