إن قلت : ولكن الله تعالى : وصف نفسه بأنه علّام الغيوب (١). فكيف صح وصف المخلوق بما هو أكثر تأكيدا من ذلك؟
قلت : إن علمه تعالى لا يقاس بالخلق ، ولا يحتاج إلى تأكيد. ولذا اكتفى بصفة «العلام». بينما يحتاج المخلوق إلى زيادة التأكيد ، لكي يعرف بأنه وصل إلى غاية العلم المتصور له.
وعلى هذا ، فإن التأنيث في الهمزة واللمزة ، يراد بها أنه وصل إلى غاية ما هو متصور من هاتين الصفتين.
الوجه الرابع : إنه تعالى لو ذكّر اللفظين لكان على خلاف السياق القرآني ، والنسق القرآني.
سؤال : ما هو وجه الحاجة إلى الجمع بين الهمزة واللمزة؟ ولما ذا لم يكتف بواحد منهما؟
جوابه : من عدة وجوه :
الوجه الأول : إنهما ليسا بمعنى واحد ، بل لكل منهما معناه المستقل ، وكل منهما مراد في الآية ، ولا تكرار فيها كما سيأتي في تفسيرهما.
الوجه الثاني : إنه إن تنزلنا عن الوجه الأول ، فستكونان بمعنى واحد ، فيكون المراد باللمزة تشديد النكير على الهمزة واللمزة ، واستقباحهما. فإنه حتى لو فعل ذلك مرة واحدة ، فهو عمل في غاية الشناعة ، فضلا عما إذا كان فعله مكررا. وهذا أقرب إلى الفهم العرفي للقرآن.
الوجه الثالث : أن نقول إن اللمزة ، تابع للهمزة.
والإتباع مستعمل في اللغات غير العربية بكثرة ، ولكنه في العربية نادر. وهو أن يتكلم المتكلم بكلمة ثانية مشابهة لفظا للأولى ، وليس لها معنى إلّا معنى الكلمة الأولى. وذلك بقصد الاستهزاء أو الاستظراف أو التهديد أو التأكيد. أو غير ذلك. وهي كلمة يستفاد معناها من مدخولها.
__________________
(١) المائدة / آية ١٠٩ و ١١٦ ...