وإذا افترقا اجتمعا. كالفقير والمسكين. يعني إذا اجتمعا في اللفظ افترقا في المعنى ، وإذا افترقا في اللفظ اجتمعا في المعنى ، أي كان من الممكن المراد منهما شيئا واحدا.
وهذه القاعدة ارتكازية ظهورية ، لا يمكن التنازل عنها عرفا. وكل من فسرها بالترادف ، فقد فسرها بخلاف الظاهر.
وأما تفاصيل معنى هاتين الكلمتين أعني : الهمزة واللمزة. فكما يلي :
قال الراغب في المفردات (١) الهمز كالعصر ، يقال : همزت الشيء في كفي ، ومنه الهمزة في الحرف وهمز الإنسان اغتيابه. قال تعالى : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ). يقال : رجل هامز وهمّاز وهمزة. قال تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ). وقال الشاعر : وإن اغتيب فأنت الهامز اللّمزة. وقال تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ).
أقول : فهم الراغب من الهماز : المغتاب. ونحن لو قارنا بين الصيغ الثلاث : هماز ، هامز ، همزة. لوجدنا أن أشدها : همزة. لأنه يكون كثير الهمز ومبتلى به الناس. وقوله تعالى : (هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) ، لا يدل على الغيبة فقط ، لأن الشياطين لا يغتابون الناس. بل المراد مطلق الأذى.
وقال الراغب أيضا في المفردات (٢) : اللمز الاغتياب وتتبع المعاب. (أي المعايب) يقال : لمزه يلمزة ويلمزه. قال تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ).
أقول : وقوله تعالى : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) ، لها تفسيران :
الأول : ما ذكره الراغب (٣) : أي لا تلمزوا الناس فيلمزونكم ، فتكونوا في حكم من لمز نفسه.
__________________
(١) مادة (همز).
(٢) مادة (لمز).
(٣) المصدر.