ويؤيد ذلك : إنه تعالى لم ينسب ألفاظا أخرى إلى نفسه ، كجهنم والسعير ونحو ذلك. فهذا يقرّب : إن ما كان من أنواع العذاب في جهنم ، منسوب إليه سبحانه.
نعم ، لا خصوصية للنار ، إذ يقول تعالى : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) ، بل المهم هو نسبة العقاب إليه ، وذلك بعد تجريد النار عن الخصوصية إلى كل عقوبة.
وقد ورد (١) : إن في جهنم عقوبات كثيرة ، حتى في كل درك من دركاتها السبعة ثلاثمائة ألف عقوبة أو نوع من العذاب. فيتعين تجريد النار عن الخصوصية.
ثم إن قوله تعالى : (الْمُوقَدَةُ). صفة تدل على فعلية نشاط النار وحيويتها وفعاليتها. وقد يدل ذلك على وجودها وإيقادها الآن.
فإن قلنا : إن جهنم موجودة ، فهو المطلوب. وإن قلنا إنها غير موجودة فإنها سوف توجد عند ما تقتضي الحكمة ذلك ، في يوم القيامة أو بعد النفخ في الصور ، أو في زمن النبذ فيها.
سؤال : لما ذا وصفها بأنها موقدة ، مع أن كل نار فهي موقدة. ولا يصح أن تكون النار غير موقدة. لأنها عندئذ لا تكون موجودة إطلاقا.
جوابه : من عدة وجوه :
أولا : أن يكون المراد شدة توقدها ، بحيث يكون ضم غيرها إليها كضم الحجر إلى جنب الجدار. أو أنها ملحقة بالعدم.
ثانيا : أن يكون المراد بيان الرهبة التي تكتنفها ، والخوف الذي يتلبس من يراد نبذه فيها.
ثالثا : أن يكون المراد صدق الإيقاد عليها عرفا. وهذا ثابت لها. في حين أن النار القليلة أو الصغيرة ، لا يصدق عليها ذلك. وإن كانت عقلا كذلك.
__________________
(١) انظر نحوه في تفسير علي بن إبراهيم ، ج ١ ، ص ٣٧٦.