إن قلت : فإن الزيارة لا تصدق على الميت ، لأنها من مواجهة الزور. ولا يكون ذلك إلّا للإنسان الحي. فلو زار بيتا خاليا أو صحراء لم يصدق ذلك. فكذلك لدى نقل الميت إلى القبر.
قلت : جواب ذلك من عدة وجوه :
الوجه الأول : إمكان التسليم ، بأنه استعمال مجازي ، ولا بأس به.
الوجه الثاني : إمكان الالتزام بحصول نحو من أنحاء النقل اللغوي ، وذلك بإلغاء الشرط المذكور ، وهو التقابل بالزور ، والتوسع إلى مطلق الذهاب. وهذا النقل قد حصل قبل نزول القرآن. فيكون حجة. وقد نزل القرآن على أساسه.
الوجه الثالث : إن هذا يحصل للأموات ، حين ينتقل إليهم ، وتكون جثته بين جثثهم.
الوجه الرابع : إن هذا يحصل للأموات في عالم البرزخ. حيث يجتمعون ويتحدثون. إلّا أن هنا فرقا من حيث اختيار حصول الزيارة. فإن الزائر الحي يكون مختارا في زيارته ، بخلاف الميت فإنه غير مختار بالزيارة لا بجسده ولا بروحه.
إلّا أن هذا أيضا مما لم يؤخذ في الوضع ، وإنما هو قيد غالبي.
ثم قال سبحانه وتعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ...).
كلا لنفي ما سبقت الإشارة إليه ، والزجر عنه ، وهو التلهي بالدنيا والغفلة عن الآخرة ، بأي مستوى من مستوياتها.
وهي مكررة ثلاثا ، وهو نفي مؤكد ومشدد. أو قل : هو أقصى درجات النفي. فقد قال : كلا سوف تعلمون مرتين. ثم قال : كلا. وهي بمعنى تقدير تكرار العامل السابق ، يعني : كلا سوف تعلمون.
وكلا الثالثة ، غير مربوطة بما بعدها لا لفظا ولا معنى. فكأننا نضع