ثم قال في الميزان للآية التي بعدها (١) :
العهن : الصوف ذو ألوان مختلفة. والمنفوش من النفش وهو نشر الصوف بندف ونحوه. فالعهن المنفوش : الصوف المنتشر ذو ألوان مختلفة. إشارة إلى تلاشي الجبال على اختلاف ألوانها ، بزلزلة الساعة.
أقول : الجبال فعلا ذات ألوان مختلفة ، أما باختلاف ألوان الصخور ، وأما باختلاف الجو المحيط بها ، وأما باختلاف النبات النابت عليها.
إلّا أنه يرد على فهمه هذا أمور :
أولا : إن العهن ـ حسب فهمي ـ هو مطلق الصوف. ولا ينبغي أن يكون اللون مأخوذا قيدا في مفهومه. وإن كان كل صوف ملونا تكوينا.
ثانيا : لو قلنا به ، فظاهر الآية هو وجود الألوان في طول الزلزلة ، فإنها عندئذ تكون (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ). وليس قبل ذلك. مع أنه قال : تلاشي الجبال بمختلف ألوانها ، يعني السابقة على الزلزلة. فهل تبقى بعد الزلزلة ذات ألوان؟! بينما نحن نفسر الآية بالعكس تماما ، من حيث إن التلوين لاحق للزلزلة : بحسب ظهور الآية وليس سابقا عليها.
ثالثا : إنه لا يراد من الآية : التلاشي المطلق. وإلّا لانمحت بالمرة. فلا عهن ولا ألوان. في حين أنه نص على أنها تكون (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ). وهذا يدل على أن التلاشي الذي فهمه السيد الطباطبائي ، غير حاصل ، وإلّا لم يمكن في الأصل تسميتها بالصوف. إذن ، يبقى لها نحو وجود. كما قال تعالى (٢) : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً).
إذن ، فكيف يكون الأمر هنا في الدنيا ، كما يكون في الآخرة؟
وجوابه يكون على مستويين :
__________________
(١) المصدر والصفحة.
(٢) الطور / ٩ ـ ١٠.