الثالثة : جبال الهموم الدنيوية ، الناتجة من البلاء ، تزول إما حقيقة إذا أميط البلاء وذهب. وإما اعتبارا وأهمية ، وذلك في درجات الإيمان. كما ورد : لا تفرح بما أتاك من الدنيا ولا تحزن على ما فاتك منها.
الرابعة : جبال البلاء الدنيوي ، تزول بنفحة التسليم والرضا ونحو ذلك. وفرقه عن سابقه أن النظر هنا إلى نفس البلاء ، وهناك النظر إلى رد الفعل النفسي عليه. وكلا الأمرين يزولان بنفس الأسباب.
فإن قلت : هذا التسلسل الفكري في نفسه وإن كان جيدا ، إلّا أنه مخالف للقرائن المتصلة في السورة ، وذلك لأن القارعة تحصل في الآخرة لا في الدنيا ، فبوحدة السياق تكون متعينة في الآخرة.
وبالنسبة إلى المستوى الثاني ، فإن الإنسان حينما يحصل على درجات اليقين ، فإنه لا يقرع في الدنيا ولا في الآخرة. مع العلم أن السورة تبدأ بالقارعة ، فكيف يكون ذلك؟
قلت : بل يجتمع ، لأكثر من أمر واحد :
أولا : إن البلاء الدنيوي من مقدمات التكامل. وهو معنى شامل لسائر المراتب.
ثانيا : إن كل البشر في الدنيا في بلاء ، حتى المعصومين عليهمالسلام : غاية الأمر أن بعضهم له رضا وتسليم وبعضهم ليس له ذلك. ولم يؤخذ في مفهوم القارعة عدم التسليم بها. بل هي قارعة على كل حال.
نعم لو أخذ في مفهومها معنى الإيذاء النفسي ، لاختصّ بمن ليس له رضا وتسليم ، غير أن القارعة هي السبب والمسبب معا ، بل كلاهما قارعة بانفراده. وأيّ منهما صدق كفى. والمشهور هو السبب ، حتى لو فسرناه بيوم القيامة. وإلّا فيوم القيامة فيه جهة نفسية صعبة أيضا.
فإن قلت : فإن قوله : (مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) : دل على أن ذلك يحدث في يوم القيامة ، مضافا إلى ما سنسمع من أن هدف السورة هو التخويف من الآخرة لا من الدنيا.