قلت : هذا وإن كان هو مسلك إجماع المفسرين. إلّا أنه مع ذلك يمكن القول بأن القارعة كما تكون في الآخرة تكون في الدنيا. وإن هذا الإيراد غير تام لعدة أمور :
الأمر الأول : إن قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) ، جملة مستأنفة ، لا ربط لها بما سبق. فلا تكون قرينة على الشكل المدعى في السؤال ، نعم ، ما يكون مرتبطا بما قبله يكون قرينة ، لأن للمتكلم أن يضيف على كلامه ما شاء من القرائن والحديث. إلّا أن هذه العبارة القرآنية غير مربوطة بما قبلها.
إلّا أن هذا الوجه غير تام لمناقشتين :
الأولى : الطعن في الكبرى : إن الكلام المنفصل تماما ، لا يكون قرينة ، على سابقه. كما لو كان بعد سكوت طويل. إلّا أن ظاهر الآية أنها نزلت دفعة واحدة.
الثانية : الطعن في الصغرى : بوجود قرينة تدل على الارتباط وهو الفاء في قوله (فأما) فإنها تكون بمنزلة السببية ، كأنه ذكر العلة ثم معلولها. أي النتائج المترتبة على السياق الأول.
الأمر الثاني : إنها ليست إشارة إلى يوم القيامة ، كما عليه مشهور المفسرين ، بل هما إشارة إلى ما بعد يوم القيامة. لأنه قال : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ، أي في الجنة وقال : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ). أي في النار.
ويمكن أن يجاب بمناقشتين :
الأولى : إن ما قيل في الأمر الثاني وإن كان صحيحا ، إلّا أنه سبحانه قال : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ـ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) وذلك يكون في يوم القيامة ، لا بعده.
الثانية : إنه يمكن أن يكون المراد به مطلق الآخرة ، لا خصوص يوم القيامة.
إلّا أن هذا على خلاف المشهور. فإن السياق واحد ، والقارعة هو يوم