ـ ١٦ ـ
إننا لو تأملنا مخلوقات الله تعالى في هذا الكون ، وجدناه مشحونا بالذوق الجمالي سواء من الناحية البصرية أو السمعية أو اللمس أو الناحية العقلية أو النفسية أو غيرها. كشكل الورد وأجنحة الفراش وأصوات العصافير والجمال البشري. أو تناسق أوراق النبات وغير ذلك كثير.
ومن موارد وجود الذوق التكويني هو الذوق الفني والأدبي في القرآن الكريم. ولا ينبغي أن نقترح على الله أي شيء بهذا الصدد!! لأن أي تغيير فيه سيخل بهذا الذوق وسيخرج السياق القرآني عن هذا الجمال والهيبة والرصانة.
والتناسق بين نهايات الآيات له حصة من الذوق ، فلو كان الكلام منثورا تماما لما اتخذ سياقا من هذا القبيل. فنهايات الآي لها معنى خاص بها لا يمكن أن نسميه سجعا ، وإنما نسميه نسقا. لأن السجع فيه نقطتان للضعف لا تنطبقان على القرآن الكريم :
أولهما : إن سمعته غير جيدة بين الناس ، مثل قولهم : سجع كسجع الكهان ، ولا ينبغي أن ننسب إلى القرآن ما نكره.
ثانيهما : إن هناك فرقا بين السجع والنسق القرآني. فإن نهايات الآيات في كثير من الأحيان لا تنتهي بحرف واحد ، بل بأكثر من حرف ، كما قد يكون المتناسق فيها هو الروي وهو الحرف الأسبق على الأخير. في حين أن السجع مشروط فيه التماثل في الحرف الأخير ذاتا وصفة (أي حركة). كما في القوافي الشعرية تماما.
نعم ، انعدم من بعض السور ، ما يكون من قبيل السجع ، أو أنه متصف بصفته ، مصداقا لقوله تعالى (١) : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ). كسورة الناس وعامة الآيات في سورة محمد وسورة قاف. إلّا أننا مع ذلك
__________________
(١) الأنعام / ٣٨.