أما الطريق الأول : فإن إما لا تدل على الحصر إلّا مع نفي الثالث. فإذا كان هناك ثالث لم تدل على الحصر فقولنا : الإنسان إما عربي أو هندي. فهو لا يدل على الحصر ، لوجود أقسام أخرى للإنسان.
وأما الطريق الثاني : فلا يتم أيضا ، لأنه يوجد هناك ثالث لهما وهو التساوي. فلا يكون دالا على منع الخلو.
الإشكال الثاني : إنه يمكن ترجيح ما عليه المشهور من كون (أمه) يراد بها المعنى المجازي ونار حامية ، يراد بها المعنى الحقيقي. وذلك : باعتبار صيغة التعجب : وما أدراك ما هي؟
جوابه : أولا : إننا لا نسلم أنها للتعجب بل قد تكون للنفي أو للاستفهام على ما سيأتي.
ثانيا : إن التعجب لا ينحصر أن يكون من الأمر الحقيقي ، بل لعله من الأمر المجازي.
ثالثا : لو سلمناهما ، فلا يتعين أن يكون الأمر المتعجّب منه هو (أمه) أم (نارٌ حامِيَةٌ).
إذن يبقى التردد بين الأمرين ولا يتعين الأمر المشهوري.
إن قلت : كيف فسرنا ـ فيما سبق ـ : أمه بالوالدة وبالنفس الأمارة بالسوء ، مع أنها تدل على جهنم ، بحسب القرينة المتصلة وهي قوله تعالى : (نارٌ حامِيَةٌ).
قلت : يجاب ذلك بأمور منها :
أولا : يمكن أن نسلم كما سلم المشهور بالمعنى كأطروحة. فتكون نار حامية بمنزلة الخبر لأمه. وتكون أمه بمنزلة المبتدأ ، مستعملة مجازا. ونار حامية مستعملة بالمعنى الحقيقي.
ثانيا : إنه يمكن عكس المعنى. أي أن أمه مستعملة بالمعنى الحقيقي. و (نارٌ حامِيَةٌ) مستعملة مجازا. فالمعنى : والدته نار حامية بأحد وجهين :