وأما الثاني : فلأنه يلزم منه التكرار بالمعنى ، لأن العاديات بمعنى الراكضات. فيكون معنى الركض مأخوذا في كلا اللفظتين : العاديات وضبحا. وهو خلاف الظاهر. فإن المفروض تعدد المعنى كما لو فهمنا من الضبح الرطوبة الخارجة من فم الفرس. فيكون حالا أو في موضع الحال ، كما قال العكبري.
إلّا أن هذه الكبرى غير تامة ، لأن التكرار وإن كان غالبا سمجا ، ولكن مع ذلك قد يكون صحيحا ، كما في المفعول المطلق. فيكون احتمال كونه مفعولا مطلقا باقيا إلى هذا الحد من التفكير.
ثم إن معنى الآية الكريمة : العاديات تضبح ضبحا. له نحو من الحثّ السياقي ، وإن لم يكن أمرا مقدرا. فكأنه تشجيع على العدو والضبح ، فله إفادة الأمر وإن لم يكن أمرا.
إن قلت : أمر العاديات بأن تعدو ، هو من تحصيل الحاصل ، وهو لغو أو مستحيل.
قلت : جوابه من عدة وجوه :
الوجه الأول : أن نفسر الضبح بغير العدو وهو الركض. بل نفسره بأنفاس الفرس أو برطوبة فمها. فينسد السؤال.
الوجه الثاني : أن نقول إنه أمر بزيادة العدو وسرعته ، بحيث يكون العدو السابق عليه منزلا منزلة العدم.
الوجه الثالث : إنه لو كان المنظور في عنوان العاديات ، هي كونها متصفة فعلا بذلك ، كان أمرها محالا ، بعد التنزل عن الوجوه السابقة ، إلّا أنه يمكن القول إن النظر في هذا العنوان إلى الذات لا إلى الصفة ، يعني ذوات العاديات لا بصفتها عاديات. وهو استعمال عرفي أحيانا ، باستعمال الإشارة إلى الذات بالصفة الغالبة لها أو الأهم فيها.
فإن قلت : يمكن أن تكون ضبحا مفعولا به للعاديات باعتبارها اسم فاعل ، فهو يعمل في نصب المفعول.