قلت : يمكن المناقشة في ذلك بوجوه :
أولا : إن الآية غير واضحة في أن البعثرة والتحصيل يكونان في زمان واحد. وإن كان لا يبعد أن تكون الإشارة إلى السابق قبل اللاحق.
ثانيا : إنه يمكن أن يكون للقبر معان أخرى ، فإن حاصله : وجود ما هو مخفي فيه وهو الميت وظهوره بعد الكمون. وكذلك كوامن النفس لا حركة فيها ـ كالميت ـ فتخرج بالتمحيص. وكذلك الذاكرة ، فإن المنسيّ بمنزلة الميت ، فيظهر بالتذكر.
وحيث قلنا إن الأقرب تحصيل ما في الصدور في الدنيا ، فبعثرة القبور أيضا يكون بالمعنى المناسب لها. ومن الواضح أن البعثرة من قبيل إزالة المانع في طرف العلة ، والتحصيل بمنزلة المعلول. فيكون الأول متقدما على الثاني. وقوله : يومئذ ، يدل على أن المراد كلا هذين المعنيين ، لأن يومهما واحد عرفا.
سؤال : أثاره الرازي في هامش العكبري حيث قال (١) : كيف قال الله تعالى : (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ). مع أنه تعالى أخبر بهم في كل زمان. فما هو الوجه في تخصيص ذلك اليوم؟
جوابه : ما ذكره في جوابه بقوله (٢) : معناه أن ربهم سبحانه مجازيهم يومئذ عن أعمالهم. فالعلم مجاز عن المجازات. ونظيره قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) ، معناه يجازيهم على ما فيها. لأن علمه شامل لما في قلوب كل العباد. ويقرب منه قوله تعالى : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ).
أقول : أما أن السياق سياق المجاز ، فنعم. ولكن هذا يتم على أشكال عديدة :
__________________
(١) ج ٢ ، ص ١٥.
(٢) المصدر والصفحة.