وأضاف : والفك انفراج المنكب عن مفصله ضعفا. والفكان ملتقى الشدقين. أقول : بل هما نفس الشدقين ، وإلّا لما صحت تثنيته ، لأنه واحد لا يزيد. وإنما عبر عنه بالفك ، لحصول الانفكاك والانفصال فيه بينهما.
والانفكاك يحتاج إلى طرفين : منفك ومنفك عنه. وأحد الطرفين موجود في الآية وهو الفاعل في قوله منفكين. وأما الطرف الآخر فمحذوف. ومن هنا تحير المفسرون فيه. وهو يكون على وجوه :
الأول : ما فهمه الراغب (١) ، وهو المشهور ، من أن المراد أنهم منفكين عن بعضهم البعض. يعني أن المنفك هو عين المنفك عنه سنخا وإن اختلف عنه فردا. (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ). فإن أتت البينة أصبحوا مسلمين.
الثاني : ما فهمه صاحب الميزان (٢) ، من عدم انفكاك وانفصال. الهداية عنهم. كأن السنة الإلهية قد أخذتهم ولم تكن تتركهم حتى تأتيهم البينة. ولما أتتهم تركتهم وشأنهم وهذا غريب لوجوه :
١ ـ إن فاعل الانفكاك في الآية هم الكفار والمشركون وليس الهداية كما قال.
ويمكن أن يجاب عليه : أن الانفكاك بما أنه حاصل من طرفين ، فعدم انفكاك أحدهما ملازم لعدم انفكاك الآخر. وهو كما ترى.
٢ ـ لا وجود لذكر الهداية قبل ذكر البينة.
٣ ـ مع التنزل ، كيف تنفك عنه الهداية بعد البينة ، بل هي هي.
الثالث : إنهم منفكون عن صفتهم المذكورة نفسها وهي الكفر والشرك. وإنهم من أهل الكتاب ، إلى الهداية والإسلام. فلا يكون ذلك إلّا بالبينة.
ولعل هذا هو أوضح المحتملات ، ولا يحتاج إلى تأويل ، كما ذكر في الميزان. لأن الاعتماد في هذا الوجه على العناوين التفصيلية المذكورة نفسها.
__________________
(١) المفردات مادة : «فك».
(٢) ج ٢٠ ، ص ٣٣٧.