النازل بعضه لبيّنه ، وحيث إنه لم يبين ، تعين أن النازل كله. فالضمير الذي يعود على القرآن أو إلى غيره نازل كله ، أعني في قوله تعالى : إنا أنزلناه. وهذا على خلاف المشهور.
وبذلك يندفع بالبرهان ، ما دفعه السيد الطباطبائي بالوجدان ، حيث قال في الميزان (١) : فلا يعبأ بما قيل : إن معنى قوله تعالى : أنزلناه : ابتدأنا بإنزاله.
مضافا إلى أن يوم المبعث هو اليوم السابع والعشرون من رجب. وفيه نزل أول ما نزل من القرآن الكريم : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ). وليس أوله نازلا في رمضان كما قيل.
وإلّا فما ذا يكون معنى قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ؟) لو كان المراد بدء النزول. وهو لم يبدأ به قطعا ، بل المراد الإنزال الكامل.
فالضمير في أنزلناه يعود إلى أمر غير مقيد بالبعض ، وهذا الأمر حاصل في شهر رمضان وفي ليلة القدر. والله سبحانه ذكر كلا الزمانين لنزوله ، فيثبت كونهما متداخلين من أجل صدق كلتا القضيتين ، لاستحالة النزول الكامل مرتين ، واستحالة تحصيل الحاصل.
ومعه يتعين ، بظهور القرآن كون ليلة القدر في شهر رمضان. إذن ، فما في ذهن المتشرعة وعليه بعض الروايات الضعيفة (٢) من أن ليلة القدر مشتبهة بين جميع أيام السنة أو أنها من المحتمل أن تكون هي ليلة النصف من شعبان ، ونحو ذلك. سيكون خلاف ظهور القرآن الكريم بعد ضم الآيتين المذكورتين فيسقط عن الحجية.
وأما تعيين ليلة القدر في ليالي شهر رمضان نفسه ، فهو غير مستفاد من ظهور القرآن الكريم. وهي عند المتشرعة مشتبهة ومرددة بين ثلاث ليال هي
__________________
(١) ج ٢٠ ، ص ٣٣٠.
(٢) انظر مجمع البيان ج ١٠ ، ص ٥١٨.