الكثرة والتركيب إنما هو في متعلق العلم ، أي في المعلوم. فمجموع العلوم تمثل علما واحدا بسيطا ، وهو الذي يتعلق بالعقل الكلي أو الروح العليا. وإنما يكون التركيب في تفاصيله.
الجواب الثاني : لو تنزلنا عن ذلك ، وقلنا بسراية التركيب إلى العلم ، فنستطيع القول : بأن هذا العلم الذي يحل بالبسيط ليس هو العلم المتكثر بل يحل بها على شكل إجمالي واندماجي. وتكون كثرته تحليلية ، كانحلال الكتاب إلى أوراق ، ويمكن أن نضرب لذلك مثالين :
المثال الأول : إن اللفظ الواحد مفهوم إفرادي ، يدل على كثرة كالحائط والشجرة والكتاب ، وكل لفظ متكون من حروف ، وكل هذه المعاني متكونة من أجزاء.
المثال الثاني : إننا قلنا إن علوم الفاتحة في البسملة ، وبررنا ذلك ، بأن البسملة متضمنة لأوسع الأسماء وأكبرها وأهمها. وهي : الله الرحمن الرحيم ، لأن لها نحو هيمنة على سائر المخلوقات. إذن فهذه العلوم الكثيرة مستبطنة في هذه الأسماء الثلاثة ، ويمكن اندراجها في لفظ واحد ، وهو لفظ الجلالة ، بعنوان كونه دالا على الذات. باعتبار أن الخلق كله دائم وقائم بالله سبحانه. فحينئذ ندرك أن كل علوم الكون في لفظ الجلالة وحده ، الذي قد يفسر باسم الله الأعظم. ومعه ، فلا بأس أن يرجع الكثير إلى الواحد أو إلى البسيط.
الجواب الثالث : إن كل مخلوق فهو متكون من ماهية ووجود. وكل منها يؤثر أثره الخاص به. فهل العلم يتعلق بالماهية أو بالوجود؟ فهنا نقول : إنه يتعلق بالوجود. فإنه من صفاته ومن صفات الباري سبحانه وتعالى. وقد قال الفلاسفة : إن الوجود كلما كان أشرف كان أكثر تحملا من القوة والعلم والحياة والتأثير.
الجواب الرابع : إننا لو تنزلنا وقبلنا انطباع العلم بالماهية لا بالوجود وهي ماهية بسيطة ، إلّا أن معنى البساطة ليست التفاهة والصغر والضآلة كالنقطة الهندسية ، وإنما هو بمعنى عدم تحقق التحليل العقلي إلى رتب وأجزاء ،